in

فيلم Cuties.. اغتيال الطفولة في رسالة ضد اغتيال الطفولة

تحذير: يحتوي المقال على Spoilers حرق أحداث للفيلم.

قبل أن أشاهد فيلم Cuties أو «الفاتنات» الذي أثار الجدل في الأسابيع القليلة الماضية، وضعت في مذكرتي بضع بنود بين ما يجب وما لا يجب أن يحدث، حتى أستطيع مقارنتها مع ما أنا على وشك مشاهدته دون أن يغلبني رأي مسبق يهاجم أو يدافع عن الفيلم، وكذلك لأتغلب على تلك المشاعر التي تتملكنا بعد رؤية قصة جميلة ما. أهم تلك البنود هي ألا يتحول فيلم ضد اغتيال الطفولة إلى اغتيال للطفولة بحد ذاته.

الفيلم يحكي عن (إيمي) الفتاة المسلمة ذات الإحدى عشرة سنة، والتي وقعت فريسة بين مجتمعين تفصل بينهما باحة صغيرة، المجتمع الأول يريدها امرأة على هيئة زوجة فقط، طاهية ماهرة ومسالمة ترتاد بيت الرب وبيتها فقط، والمجتمع الثاني يدفعها لأن تكون امرأة مثيرة تستعرض جسدها لتحصد الإعجاب في الواقع وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، أما الباحة الصغيرة فيشغلها بضع أطفال يلعبون لعبة نط الحبل، وتلك المساحة رغم صغرها إلا أنها المساحة المنشودة في هذا العمر، طفلة لا امرأة، هذه رسالة الفيلم.

غالبية الاعتراضات لم تمس الفكرة مطلقًا وإنما طريقة تنفيذها، النص الذي ضمن 90 دقيقة لمشاهد السلوكيات السيئة العديدة وتخلى عن 6 دقائق فقط لصالح رسالته المطلوبة، وكذا الكاميرا التي لاحقت مؤخرات بطلات الفيلم عن قرب وكأنها تتفحصها مليًا أو تعرضها على المشاهدين بلا سبب في معظم المشاهد، ولن أتحدث كثيرًا عن نقد فني للعمل فالآراء تتعدد وتختلف هنا، لكن سنضع تساؤلات أخلاقية تخص رسالة الفيلم.. هل تخطت المشاهد حدود المسموح به؟ وهل وصلت الرسالة إلى أي جمهور؟

السؤال الأول نعم تخطت المشاهد تلك الحدود، وإن اتفقنا على أن تصنيف من يرى في الأطفال إثارة جنسية كمضطرب البيدوفيليا فما هو تصنيف من يقدم الأطفال بتلك الهيئة؟ لا أقصد الملابس ولكن رقصات التعري التي كُررت مرارًا مثل الرقص بالمؤخرة في وضع المضاجعة ومباعدة الساقين مع التركيز على ما بينهما، تلك الحركات التي تقدمها النساء في نوادي التعري غير مقبول أن تقدمها فتيات في هذا السن، فضلًا عن الألفاظ الجنسية التي يمنعها الأهل عن أطفالهم في المنازل فيسمح الفيلم لأبطاله بترديدها بلا حدود، كوصف إحداهن لزميلها في المدرسة بأن قضيبه في حجم رأسه، وأيضًا عرض أخرى من صديقها أن تريه أثدائها في مكالمة فيديو، ومشهد آخر لـ(إيمي) بطلة الفيلم تعرض جسدها لقريبها مقابل تلبية رغبتها في ترك هاتفه لها، الأمر أشبه بتصوير فيلم إباحي حقيقي لطفلة لإظهار مساوئ جريمة الإباحية مع الأطفال.

كل ذلك يحدث دون وجود نماذج أخرى حتى، فتاة تعيش طفولتها بشكل عادي دون تعري أو سرقة أو التلصص على حمامات الرجال، أي أن فيلم عن حقوق الأطفال صُنع كي لا يناسب الأطفال، لأنهم لن يجدوا نموذجًا يحتذى به طوال أحداث الفيلم.

أما عن السؤال الثاني ومدى دقة تصويب صناع العمل في استهداف جمهورهم، ففي ظني أن ما أرادت (ميمونة ديكوري) مؤلفة ومخرجة العمل الفرنسية السنغالية إيضاحه قد ذهب إلى جمهور يعرف ذلك مسبقًا بل ويدافع عنه، أما الفئة المنشودة والتي كان لا بد أن تصلها تلك الرسالة فليتها لم تستلمها قط، إذ تحول الفيلم إلى دفعة من التخويف المبالغ فيه من الحرية، رعب يضع بين مخالبه الأهل وبالتالي ستنتقل نتائجه إلى الأطفال بلا شك، ولنفهم هذا دعنا نستعرض تكوين المجتمع المتدين الذي عرضه الفيلم أولًا.

المجتمع الأول: إسلامي منقرض

يشرح الفيلم المجتمع المسلم المتدين على أنه مجموعة من البشر الذين لا يرون في المرأة إلا زوجة فقط، وأنها لابد أن تقبل احتمالية كونها زوجة ثانية أيضًا بل والشعور بالسعادة لزوجها إن أقدم على هذا الفعل، مجتمع تجبر فيه العمات الأمهات على تربية بناتهن وفق رؤيتهن، وتحرم فيه الفتيات من الهواتف والأنشطة، جميع من فيه يؤمنون بقوة سحرية للشيوخ مثلًا..

هل يمكن القول بأن هذا المجتمع يشاهد نتفليكس؟ هل تتفق معي أن احتمالية حدوث ذلك قد تصل إلى أقل تقديراتها؟ إن اتفقت معي في هذا فسوف تشعر بخطر ما حدث، وهو أن يشاهد الأهل في مجتمع متدين وسطي الفيلم فينكرون أن مجتمعهم شبيه بهذا الذي يرونه، بالتالي فهم على الطريق الصحيح، والوسطية التي أحكي عنها هنا هي أن تجبر الأمهات أطفالهن بدلًا من العمات، وأن تهتم الأسرة بتعليم فتياتهن وإعدادهن للحياة العملية حتى وإن أرادوا في دواخلهم أن يكون الزواج هو الهدف الأهم، وهكذا فلن تهم باقي سطور الرسالة التي يحاول الفيلم تقديمها دعمًا لحرية الأطفال في اتخاذ بعض القرارات التي تحفظ لهن طفولتهن بعيدًا عن تنميطهن كزوجات.

والنتيجة النهائية أن الأهل سيتجاهلون رسالة الفيلم لأنه عرض التدين بشكل غير واقعي أو حقيقي وأن ما يفرضوه على أطفالهم بإسم الدين يختلف عن ما فُرض على إيمي في الفيلم تمامًا فلا خوف من تفضيل فتياتهن للمجتمع الثاني المرعب هذا.. انتهت الرسالة بالنسبة لهم.

نهاية، فكرة العمل مميزة وجيدة إلى حد بعيد، والرسالة رائعة بلا شك، لكن طريقة عرض الفكرة وضعتها في قفص الاتهام بدلًا من أن تزج بفكرة اغتيال الطفولة في سبيل الزواج فيه، وهنا أقتبس إحدى مقولات القاضية الشهيرة (روث بيدر جنسبرج): ”حاربن من أجل القضايا اللاتي تؤمنّ بها ولكن بطريقة تحمل الآخرين على الانضمام لصفوفكن“، وCuties لا يمت للطريقة الصحيحة بصلة.

مقالات إعلانية