in

الحكومة الصينية تحظر حرف الـN لفترة وجيزة من الاستعمال على الإنترنيت

رجل جالس أمام الحاسوب في حيرة من أمره
صورة: Frederic J. Brown/AFP/Getty Images

في خضم قرار الرئيس الصيني بتعديل القوانين الدستورية مما يخوله من أن يصبح رئيسا للصين مدى الحياة، قمع الرقباء في البلاد -هيئة فرض الرقابة والإشراف على الأمور قبل تداولها- بعض الحروف، والعبارات وكذا روايتي المؤلف (جورج أورويل) بعنوان (مزرعة الحيوان) و(1984).

تعمل هيئة الرقابة في الصين في أيامنا هذه جاهدة من أجل قمع وإسكات النقد الشعبي الذي طال عزم الرئيس الصيني (تشي)، وكذا نواياه في تنصيب نفسه رئيسا للبلاد، وجعل حكمه لا يخضع لأي عدد محدد من العهدات الرئاسية.

ومن الأمور التي انصب عليها اهتمام هذه الهيئات الرقابية كان الحرف اللاتيني ”N“ الذي يمثل الحرف رقم أربعة عشر في ترتيب الحروف الأبجدية الإنجليزية، وفي لعبة (سكرابل) Scrables يمثل مكونا ضروريا لما يتعدى ستمائة كلمة ذات ثمانية حروف، لكنه كان بنظر الحزب الشيوعي في الصين حرفا لا يطاق، كما شكل خطورة وتهديدا -لم نفهم السبب وراءهما بعد- مما أدى إلى حظره هذا الأسبوع من الإنترنيت، في سعي من الهيئات الرقابية الصينية من أجل إسكات نقد ومناهضة الشعب لقرار الرئيس الصيني (تشي جين بينغ) في تنصيب نفسه قائدا مدى الحياة لجمهورية الصين.

على ما يبدو، كانت الحكومة الصينية تخشى أن يتم تداول هذا الحرف لمهاجمة هذا القرار الغريب والمثير للجدل الذي تبنته العاصمة (بيكين) منذ أيام قليلة، الهادف إلى رفع الحدّ الأقصى لعدد العهدات الرئاسية التي يمكن لرئيس صيني أن يحكم خلالها البلاد.

خلاف ذلك، منح الحزب الشيوعي الحاكم في الصين لهذا القرار الأخير -الذي يرى فيه الخبراء خطوة نحو جعل (تشي جين بينغ) دكتاتورا مدى الحياة- صبغة أكثر ما يمكن أن يقال عنها هو ذر الرماد في الأعين، حيث اعتبرت الخطوة ما هي إلا نتيجة للدعم الشعبي الغامر الذي يحظى به ”الزعيم“ و”القائد“ الصيني في بلاده وفي أوساط شعبه.

إلا أن الأمر لم يمر مرور الكرام على مختلف أطياف الشعب الصيني، الذي أطلق سلسلة واسعة من ردود الأفعال المستهجنة للخطوة السياسية منذ أعلن عنها في يوم الأحد الفارط في عشية انعقاد الجلسة السنوية لمجلس الشيوخ الصيني في العاصمة (بيكين).

في منشور له على مدونته، قال (فيكتور ماير) وهو خبير في الشؤون الصينية لدى جامعة (بينسيلفانيا) أن: ”هيئة الرقابة في الصين قد اتخذت حركة سريعة ومتطرفة بعد أن عجّت الإنترنيت بالشكاوي والتذمر الشعبيين“.

وفقا للائحة تم إعدادها من طرف موقع صحيفة (التايمز الصينية الرقمية) China Digital Times، فقد تضمنت مصطلحات البحث المحظورة على الإنترنيت على موقع (وايبو) Weibo المحلي، الذي هو بمثابة (تويتر) الصين، ما يلي:

  • مصطلح (万岁): ومعناه ”عشرة آلاف سنة“، وهو التعبير الاصطلاحي الذي يستخدم في الثقافة الصينية للتعبير عن ”ليعش طويلا“، أو ”عاش“.
  • مصطلح (不同意): ومعناه ”أعارض“.
  • مصطلح (习泽东): (تشي تسيتونغ)، وهو اسم مهجن بين اسمي الرئيس الحالي (تشي)، والديكتاتور الأسبق (ماو تسيتونغ).
  • مصطلح (不要脸): ومعناه ”عديم الحياء“، أو ”وقح“.
  • مصطلح (终身): ومعناه ”باقٍ للأبد“.
  • مصطلح (个人崇拜): ومعناه ”عبادة الشخصية“.
  • مصطلح (移民): ومعناه ”هاجر“، أو ”ارحل بعيدا“.
  • مصطلح (长生不老): ومعناه ”الخلود“.
الرئيس الصيني الحالي (تشي جين بينغ) على اليمين، وعلى اليسار الديكتاتور الصيني السابق (ماو تسيتونغ)
الرئيس الصيني الحالي (تشي جين بينغ) على اليمين، وعلى اليسار الديكتاتور الصيني السابق (ماو تسيتونغ)

تم كذلك حظر اسم (يوان شيكاي) وهو أمير حرب من سلالة (كينغ) الحاكمة السابقة الذي حاول عبثا إعادة نظام الحكم الملكي للصين، كما تم أيضا حظر روايتين من إبداع المؤلف (جورج أورويل) تحت عنواني (مزرعة الحيوان) و(1984).

لكنه يبقى غير واضح لحد الساعة السبب الذي دفع بهيئة الرقابة والإشراف الصينية للتحامل على حرف الـN، لكن (ماير) يشك في أن السبب لربما يكون راجعا لخوف الحكومة من استخدام المعارضين لفكرة كون الحرف N ورد مرتين في كلمة Government باللغة الإنجليزية كدلالة على أن الحكم لا يجب أن يتعدى هو الآخر عهدتين فقط، فيمثل بذلك كل حرف على حدى عهدة واحدة.

يقول (تشارلي سميث)، وهو الاسم المستعار للشخصية التي أنشأت GreatFire.org المجموعة التي تساعد رواد الإنترنيت الصينيين على تعقب وكذا تجاوز الإشراف والحظر المسلط من طرف الهيئات الرقابية على المحتويات على الإنترنيت، بأنه يجد هذا التفسير الأقرب لكونه السبب الفعلي وراء هذا الحظر الغريب، حيث صرح: ”لربما اعتبرها الرقباء أمرا حساسا ثم عمدوا إلى إضافته إلى اللائحة السوداء حتى لا يصبح بإمكان الآخرين نشر أمر مماثل“، مشيرا إلى أن الحرف المنتهك قد تم تحريره الآن، فأضاف: ”أشك في أنهم أمعنوا التفكير فيما أقدموا عليه بشأن حظر الحرف N، للأسف فقد كان هذا الحرف ضحية مؤقتة لهذا القرار المستعجل“.

وفي يوم الأربعاء، اتهمت العاصمة (بيكين) الغرب في إبداء ردة فعل ”هستيرية“ تجاه رفع الحد عن عدد العهدات الرئاسية المسموحة بها للشخص الواحد في الصين، حيث ورد في أحد المقالات التي نشرتها صحيفة (غلوبال تايمز)، وهي جريدة شعبية تتم إدارتها من طرف الحزب الحاكم: ”لم يمض وقت طويل على إعلان الحزب عن مقترحه هذا حتى بدأت وسائل الإعلام الغربية في التهكم والسخرية من الصين بطرقها المعتادة والمتنوعة“، وأضافت ذات الصحيفة: ”من الجدير التنويه إلى أنه أحيانا تصبح بعض وسائل الإعلام الغربية حادة في تهجمها على العاصمة (بيكين)، التي تكاد تستعمل في تهكماتها وتصريحاتها عبارات نابية وفاحشة“، كما ادعت ذات الصحيفة بأن أولئك الذين يدعمون هذا النقد الذي طال العاصمة (بيكين) إنما يفعلون ذلك في أمل منهم لرؤيتها ”تسقط“.

يقول (سميث) كذلك أنه يعتقد بأن (بيكين) أساءت تقدير الهيجان الشعبي الذي قد تسبب فيه قرارها ذاك؛ حيث صرح: ”إن ردات الفعل التي اتخذها جمهور مستخدمي الإنترنيت في الصين والعالم تظهر بأن الرئيس (تشي) قد أساء تقدير وحساب الطريقة التي سيستقبل بها الشعب الصيني قراره هذا، ومنه صدم وهرع إلى الرقباء وهيئات الرقابة والإشراف من أجل قمع ذلك الهيجان بين أوساط الرأي العام المحلي، هذا القمع المستعجل الذي راح ضحيته الحرف N كذلك“.

ويضيف (سميث): ”الآن، قد يعتقد الرقباء أنهم تحكموا في الوضع بشكل جيد، لكن إن استمر الزخم في التراكم والتعاظم، واستمر رواد الإنترنيت في بحثهم عن وسائل أخرى من أجل التعبير عن سخطهم وعدم رضاهم عما أقدم عليه الرئيس (تشي)، فقد يصل الوضع إلى نقطة خطيرة حيث قد تأخذ السلطات بعين الاعتبار إيقاف تشغيل الإنترنيت كليا، وهو الأمر الذي أعتبرهم مستعدين للإقدام على فعله“، ويضيف كذلك: ”الآن، وأكثر من أي وقت مضى في التاريخ، يجب على أولئلك الذين يجدون أنفسهم في وضع يسمح لهم بمساعدة رواد الإنترنيت الصينيين في سعيهم للتعبير عن آرائهم وفي الولوج إلى المعلومات يجب أن يتقدموا ويقدموا يد المساعدة في أسرع وقت“.

مقالات إعلانية