in

دخلك بتعرف مشروع ليلى؟

مشروع ليلى

مشروع ليلى، هي إحدى أبرز الفرق الموسيقية الحديثة في الشرق الأوسط، وأكثرها إثارة للجدل على صعيد الوطن العربي. تميزت بنمط غنائها للروك البديل والإندي، قبل أن تتحول في ألبومها الأخير إلى نمط إليكتريك بوب. ولعلّ أكثر ما يميز موسيقى الفرقة هي ما تتضمنه من دور كبير لآلة الكمان، ودمجها بين الموسيقى الصاخبة والهادئة، الشرقية والغربية في الآن عينه. إضافةً إلى صوت حامد سنو الفريد وطريقة أدائه للأغاني، والكلمات الغريبة غير النمطية في التأليف وإيصال الأفكار.

تشكّلت الفرقة عام 2008 أثناء ورشة عمل في الجامعة الأمريكية في بيروت، لبنان. حيث تم إرسال دعوة مفتوحة للموسيقيين في الجامعة للخضوع لتجربة أداء وذلك لاختيار أربع أعضاء آخرين، إضافة إلى الأعضاء المؤسسين وهم أمية ملاعب ”كيبورد“، اندريه شديد ”غيتار“ وهايغ بابازيان ”كمان“. وبذلك تم تشكيل الفرقة متكونة من سبع أعضاء آنذاك، وتم اختيار حامد سنو مغنياً أساسياً للفرقة، متميزاً بصوته الفريد وأسلوبه المميز في الأداء. وتغير تكوين الفرقة بعد حين ليتبقى منهم خمسة فقط، وهم فراس أبو فخر ”غيتار وكيبورد“، هايغ بابازيان ”كمان“، كارل جرحس ”درامز“، ابراهيم بدر وحامد سنو.

تعددت أجوبة الفرقة في عدد من المقابلات حول سبب تسمية الفرقة، لكن أبرز الأسباب تعود إلى أن الفرقة كان من المفترض أن تكون مشروع ”ليلة“ واحدة بناء على ورشة العمل، لكن العمل قد استمر وتطور وتعدى الليلة الواحدة، مما دفعهم لإطلاق اسم ”مشروع ليلى“ تيمناً بتلك ”الليلة“. ويعزى استخدام الألف المقصورة بدلاً من التاء المربوطة، إلى إرادة الفرقة تمثيل صوت الشباب اللبناني عبر صوت ”ليلى“ التي تلامس جميع قضايا المجتمع العربي.

وفي مصادر أخرى، يُقال أن اسم الفرقة يعود إلى طبيعة عمل الفرقة الليلية والتي يتخللها عزفاً ممتداً في ساعات الليل. أمّا عن إحدى مقابلات الفرقة، فقد قالوا أيضاً أن الفرقة تأسست لجمع المال لأجل فتاة تدعى ليلى، الأمر الذي يعتبر دعابة متداولة بين أعضاء الفرقة.

مشروع ليلي

وبعد أن تكونت الفرقة بشكل متكامل، ظهرت للمرة الأولى عام 2008 خلال مهرجان الموسيقى من تنظيم بلدية بيروت، الأمر الذي أثار جدلاً واسعاً حول مواضيع الأغاني المطروحة لاسيما التي تتطرق إلى السياسة والدين والجنس. تلاها بعد ذلك فوزهم عام 2009 بجائزة التحكيم والجمهور في مسابقة ”الموسيقى الحديثة“ من تنظيم راديو بيروت، عن أغنية ”رقصة ليلى“، وكانت الجائزة هي عقد تسجيل ألبوم للفرقة.

وهكذا سجلت الفرقة أول ألبوم لها، دعي باسم الفرقة ذاته ”مشروع ليلى“ في ديسمبر 2009. ومن أولى وأهم حفلات مشروع ليلى، كانت حفلة مهرجان بيبلوس الدولي في عام 2010 والتي حضرها رئيس الوزراء آنذاك سعد الحريري.

للفرقة 4 ألبومات حتى الآن؛ ”مشروع ليلى (2009) يتضمن 9 أغاني“، ”الحل رومانسي (2011) يتضمن 6 أغاني“، ”رقصوك (2013) يتضمن 10 أغاني“، ”ابن الليل (2015) يتضمن 13 أغنية“.

البومات مشروع ليلى

لعلّ أكثر ما يميز فرقة مشروع ليلى هو تجاوزها للحدود الوهمية التي فرضها المجتمع العربي، وتحدّيها لكل ”المحرمات“ المجتمعية التي كان من الممنوع الاقتراب صوبها. فكسرت الفرقة كثير من القوانين العربية للتناول في أغانيها العديد من المواضيع الشائكة في المحيط المحلي والعربي.

حيث طرحت الفرقة في العديد من أغانيها موضوع السياسة بطرق ثورية مختلفة، متمردة على سياسة الأنظمة العربية كما في أغنية ”للوطن“، التي تحدّثت عن هشاشة المجتمع المتخلف عن بقية الحضارات والذي يدعي القوة ويفرض آلية تفكير معينة قد تصل إلى غسيل الأدمغة و”تخدير“ كل من يحاول أن يثور ضد مسير القطيع. وأغنية ”غداً يومٌ أفضل“، النسخة العربية من أغنية Clint Eastwood والتي تتحدث عن حال الشباب إثر الثورات، مهدية إياها لجيل الثورة.

أغنية للوطن
أغنية للوطن

”ع الحاجز“ تصف ما يعانيه المواطنون على حواجز المدن العربية من رداءة المعاملة والتهديد المشروع، ”من الطابور“ تتناول مدى ارتباط الواقع السياسي في كل جوانب حياة المواطن العربي، و”عبوة“ التي كتبها حامد سنو متأثراً بالأوضاع السياسية الأمنية والإغتيالات الحاصلة في بيروت، حيث تتحدث الأغنية عن عبوة ناسفة للأدمغة المفكرة وتصف التفجيرات التي اجتاحت البلاد. ونسبة للقب الجيش اللبناني، أطلقت أغنية ”مغاوير“ في ألبوم ابن الليل للتي تتحدث عن انتشار الأسلحة وتصف حادثتي إطلاق نار أودت بحياة العديد من الضحايا الذين لا ذنب لهم، لاسيما عدداً من الأطفال الصغار الذين كانوا يحتفلون بعيد ميلادهم.

كما تناولت الفرقة مواضيع اجتماعية كبيرة تخص الشباب العربي، ما جعلها قريبة جداً من تفكير مختلف الفئات في المجتمع، وساهم في ترويجها بشكل كبير داخل الوطن العربي وخارجه. حيث تحدثت في عديد من أغانيها عن موضوع ”الحب والجنس“ بطريقة غير تقليدية، بما يتضمنه الأمر كثيراً من الظلم والتعقيدات الاجتماعية. ففي أغنية ”فساتين“ تتحدث الفرقة عن فشل علاقة بين اثنين بعد ممارستهما للعلاقة الجنسية، لاسيما أنّهما يتبعان دينين مختلفين، الأمر الذي يعتبر محرّماً في المجتمع العربي، ومشكلة تلمس معاناة العديد من الشبان.

وفي ”الحل الرومانسي“؛ وهي الأغنية الأساسية لألبوهم الثاني، يغني حامد سنو متأثراً بفلسفة إنجلز الاقتصادية المتجلية في كلمات الأغنية التي كتبها بنفسه، فتتحدث الأغنية عن لجوء العديد من الفئات إلى الزواج لحل مشكلاتهم المادية والاقتصادية. وأغنية ”عبدو“ عن الشاب الذي قرر أن يصوم عن الحب بعد ما واجهه من ظروف.

كما قامت الفرقة بأداء الأغنية الفرنسية Ne Me Quitte Pas بنسختها العربية، ودعيت ”ما تتركني هيك“ التي ألحقت بمقطع آخر حمل اسم ”سوسن“. وفي ألبوهم الأخير، قدموا أغنية ”كلام“ التي تعتبر لغة الكلام هي لغة الحب والتلامس الجسدي، التي تتخطى الحدود المفروضة من قبل الدين والسياسة.

أمّا أهم ما أثار الجدل حول هذه الفرقة، هو كونها أولى الفرق العربية التي تناولت موضوع المثلية والتعددية الجنسية والجندرية بشكل مباشر، لاسيما أن مغنيها الأساسي حامد سنو يعتبر من أوائل من ”خرجوا من خزانتهم“ وتحدث عن ميوله المثلية دون خجل أو اكتراث لقوانين وأنظمة المجتمعات المحافظة بما تحمله من عنف واضطهاد ضد المثليين. حيث تعتبر أشهر أغانيهم ”شم الياسمين“ التي تتحدث عن علاقة حامد وحبيبه السابق، الذي أراد كسر نمطية الذكورية القائمة في دور الرجال، وإرادته في عيش حياة طبيعية مع حبيبه الذي تركه ضمن مجتمع يمنع علاقات الحب المشابهة.

مشروع ليلي
صورة لـMounir Sayadi على Behance

إضافة إلى أغنية ”إم الجاكيت“ التي تصف شابة ذات شعر قصير ومظهر يختلف عن المظهر النمطي للإناث، تعيش في تحرر يجعلها تفعل ما تشاء وقتما تشاء، الأمر الذي جعل المحيط يعتبرها شاب في ظل مجتمع لا يتيح الحرية المطلقة سوى للشبان.

وفي ألبوهم الأخير، طرحوا أغنية ”طيف“ التي تتناول قصة إغلاق ملهى ليلي بسبب الهوية الجنسية والجندرية لمرتاديه، وما تعانيه تلك الفئات من عنف واضطهاد من قبل رجال الأمن والمجتمع.

ومن المواضيع الشائكة التي لم تخلُ من كونها موضوعاً جدلياً في أغاني مشروع ليلى، هي موضوع ”الدين“. حيث تناولوا موضوع الدين في أكثر من أغنية في ألبومهم الجديد، منها ”أصنام“ التي تتحدث عن نفاق رجال الدين، و ”الجين“ نسبةً لاسم المشروب الكحولي الشهير، مستخدمة تعابير دينية وروحانية اعتبرت جديدة على أسلوبها كأنها تصف طقوس دينية أسطورية. وأيضاً في أغنية ”عبوة“ التي تعتبر مزيج بين التسيّس والتديّن.

إضافة للدين والسياسة والجنس، عرضت الفرقة المواضيع الاجتماعية التي تتحدث عن حال الشعب العربي اجتماعياً، وثورته على الظروف التي يواجهها يومياً. لاسيما في أغنية ”ونعيد“ التي تحمل تمرداً كلامياً كبيراً على كل من يحاول فرض ظروف قاسية على شعبه، ”إم بمبللح“ وحياة بو مسعود العملية مع المال وطريقة تعامله الرديئة مع زوجته. إضافة لأغنية ”لتلت“ التي تتطرق إلى الكلام الفارغ الذي ينتشر بين أفراد المجتمع ليحكم على الآخرين مهما فعلوا.

”قول إني منيح“ تصف حال الشباب في بلدانهم بعد أن كسرتهم الظروف الاجتماعية وحولتهم من أمل كبير إلى ألم كبير. بالإضافة لأغنية ”3 دقايق“ التي تصف تماهي الأشخاص بالشخصيات التي يحبّها الآخرون. ومن المفارقات المضحكة، أن الفرقة استطاعت التنبؤ بمشكلة النفايات في لبنان، عبر أغنية ”وجيه“ التي صدرت عام 2011 في ألبوم ”الحل رومانسي“. وعن أغنية ”رقصة ليلى“ التي فازت بجائزة التحكيم والجمهور، يعبّر أعضاء الفرقة أن كلمات الأغنية لا معنى لها، فهي تعبير عن السطحية التي تعيشها المجتمعات العربية.

شاركت الفرقة في إحدى حلقات برنامج Coke Studio الذي يعتمد على إصدار نسخ جديدة لأغاني معينة عبر دمج النمط الغنائي لأكثر من فنان، وعن الحلقة أصدروا cover لأغنية Get Lucky مع المغني نايل رودجرز.

الجدير بالذكر أن فرقة مشروع ليلى لاقت رواجاً كبيراً لدى الشباب العربي، تحديداً بسبب تناولها مواضيع لم يجرؤ أحد على تناولها من قبل، لاسيما في المجتمع العربي حيث تفوق المحرمات على المحللات. ونتيجة لنقدها أموراً دينية، اجتماعية وسياسية، مُنعت فرقة مشروع ليلى من إحياء حفلتها المحددة في مدرج عمّان بالأردن العام الماضي، بقرار من وزير الداخلية الأردني الذي أوضح أن السبب يكمن وراء تعارض ما تقدمه الفرقة مع مفاهيم مجتمع الأردن الدينية والاجتماعية، ومواقفها التي تدعم الحريات الجنسية والاجتماعية. الأمر الذي أثار حملة هجوم واسعة ضد قرار المنع من قبل محبي الفرقة لاسيما على مواقع التواصل الاجتماعي، إضافة إلى بيان رسمي صدر عن الفرقة بشأن الأمر على موقعهم.

مشروع ليلى
صورة لـShadi Jaber على Behance

ومن الأمور التي جعلت من الفرقة موضع اهتمام وتقدير، هي طريقة تسويقهم لموسيقاهم، حيث تقوم الفرقة بطرح ألبوماتها للتنزيل بطريقتين، إمّا عبر شرائها على iTunes مقابل مبلغ مالي، أو تنزيلها مجاناً عن طريق صفحتهم على الفيسبوك. حيث قالت الفرقة عند طرح ألبوم الحل رومانسي ”إذا أردتم دعمنا يمكنكم شراءه وإذا لم تستطيعوا ذلك فنحن مسرورون بمشاركتكم الألبوم مجاناً“. ما يوضح هدف الفرقة في إيصال موسيقاها إلى كافة فئات المجتمع، علماً أن غالبية مشتري الألبوم على iTunes هم من خارج الشرق الأوسط. فلا تعتمد الفرقة مادياً على بيع الألبومات، وإنما تتلقى دعمها المادي عن طريق شركات الإنتاج والحفلات المقامة. إضافةً إلى بث حفلة إصدار ألبوم ”ابن الليل“ التي أقيمت في لندن، على قنوات عربية، ليتسنى لجميع الناس حضورها من مختلف أنحاء العالم خصوصاً في منطقة الشرق الأوسط.

كما أتاحت الفرقة فرصة أمام جميع محبيها للمشاركة في كتابة كلمات أغاني ألبومها الأخير ابن الليل عن طريق موقعها على الفيسبوك. وتعد الفرقة قريبة جداً من جماهيرها بطريقة متواضعة، ففي مهرجان القاهرة، دعا حامد سنو الجمهور إلى النزول والرقص معه على المسرح عند تأديته لأغنية ”غداً يوم أفضل“.

مشروع ليلي
صورة لـAhmed Thabet على Behance

نجحت الفرقة في وصولها إلى كافة أنحاء العالم، واكتسابها قاعدة شعبية كبيرة تمركزت في الشرق الأوسط وتعدت حدوده لتصل إلى كافة الدول العالمية، حيث تقيم الفرقة العديد من الجولات الفنية في العديد من البلدان منها العربية كلبنان ومصر، وصولاً إلى بريطانيا وألمانيا وكندا…

وهكذا تمكّنت فرقة مشروع ليلى من مخاطبة قضايا الشباب العربي عبر تمردها على كل القوانين التي فرضت فكراً واحداً وطريقاً واحداً، واستطاعت أن تكون منبراً حراً يدعم الحقوق والحريات لكافة فئات المجتمع، لاسيما الفئات المهمشة. الأمر الذي مكّنها من تخطي كافة الحدود، الجغرافية منها والاجتماعية، عبر لغة الموسيقى الفريدة والمتمردة.

مقالات إعلانية