in

هل بإمكانك أن تحزر أي هذه الأعمال الفنية لم يتم إنجازه على يد الإنسان؟

تفضل عزيزي القارئ وألق نظرة على اللوحات الفنية المعروضة في الصورة أعلاه، لقد تم إنجاز خمسة منها من طرف فنانين من مختلف أنحاء العالم، واحدة فقط رسمها روبوت (رجل آلي). إذا لم تستطع تحديد الفرق واكتشاف أيها تم إنجازه من طرف الروبوت فأنت لست وحيداً في هذا.

طُلب من الفنانين رسم هذه اللوحات الفنية كجزء من تجربة من طرف شركة (غوم غوم)، وهي شركة مختصة في الذكاء الاصطناعي مقرّها في (سانتا مونيكا) في الولايات المتحدة، بالتوأمة مع «مختبر الفنون والذكاء الاصطناعي» على مستوى جامعة (روتجرز)، ولم يكن الباحثون خلف هذه الدراسة يحاولون الإجابة على التساؤل القائل بإمكانية الآلة في أن تقترب من إنجاز منتوج بشري خالص، بل كانوا يبحثون فيما إذا كان بإمكان الآلة أن تقترب من اتباع نهج إبداعي أشبه بالنهج الإبداعي الذي يتخذه الإنسان.

أي من هذه اللوحات الفنية تعود إلى الروبوت؟ – صورة: GumGum

وتلك العمليات الإبداعية بعد كل شيء هي ما يجعل الإنسان يتفرّد بالفن ويسميه فناً إنسانياً خالصاً، بالنسبة لنا فالفن ليس غاية في ذاته، بل هو وسيلة للتعبير عن تجربة وواقع مُعاش. يقول (بين بلوميون)، وهو رئيس مكتب التسويق لدى شركة (غوم غوم): ”لا تعرف الآلة ما هو شعور أن تجرب فقدان طفل حديث الولادة أو أن تنتظر بشوق صدور ألبوم غنائي ما“، واستطرد قائلا: ”بسبب هذا، فأنا لا أعتقد أن الفن الذي تنتجه الآلة سينال نفس التقدير الغني والوافر الذي يناله الفن الذي ينتجه الإنسان، لكنني في نفس الوقت أقول أن الآلة بإمكانها بدون شك مساعدة الإنسان في عمليته الإبداعية تلك“.

طلب من جميع الفنانين ”الستّة“ المشاركين في التجربة أن يرسموا لوحة فنية مستلهمة من مجموعة أعمال من القرن العشرين لفنانين تجريديين أمريكيين، أما بالنسبة لـ(كلاود باينتر)، وهو الروبوت الرسام الذي طوره الفنان (بيندار فان أرمان) وهو الفنان السادس في مجموعة الفنانين المشاركين في التجربة، فقد أصبحت تلك المجموعة بمثابة بيانات يدرب عليها خوارزمياته، ولابد أن منتوجه الأخير [وهي اللوحة التي تحمل حرف الدال بالمناسبة] بعيد كل البعد عن كونه مجرد تلك الأشكال الهندسية التي تربط بينها ألوان والتي قد تتوقع عزيزي القارئ أن روبوتاً قد ينجزها، وبدل ذلك، ومع كل تلك الألوان المتقطرة والخطوط المغشية، فإن اللوحة التي أنجزها (كلاود باينتر) تبدو بشكل كبير وكأنها بشرية من صنع إنسان.

اللوحة التي أنجزها (كلاود باينتر)
اللوحة التي أنجزها (كلاود باينتر) – صورة: CloudPainter

بالنسبة للروبوت (كلاود باينتر)، والعديد من التقنيات الآلية الموجودة اليوم، فإنه يوجد هناك جزء بشري داخلها، لقد قام (فان أرمان) ببناء هذا الروبوت الرسام، وهو المسؤول عن برنامجه الذي يملي عليه ما ينتجه، وكمثال عن التعاون والتظافر بين الإنسان والآلة، فإن (كلاود باينتر) يمثل انعكاسا دقيقا لما قد تبدو عليه الأتمتة –التشغيل الآلي– في حاضرنا اليوم.

بدلا عن ثنائية ”الإنسان ضد الآلة“ التي يروج لها ذو النظرة السلبية الذين يخشون استحواذ الآلات على العالم ويبشرون بنهاية الحياة، فأمثلة الأتمتة في حاضرنا اليوم تميل لأن تتخذ أكثر فأكثر أشكال عمليات تعاونية بين الإنسان والآلة يعملان معا لإنجاز ما يعجزان عن تحقيقه بشكل فردي، سواء كان ذلك الروبوت طاهياً يعدّ البيتزا أم معلم شطرنج، فإن الآلات بإمكانها بدون شك أن تساهم في رفع مستوى العمل البشري ومردوده بدلا من مجرد تعويضه.

اللوحة التي أنجزها (كلاود باينتر) - صورة: CloudPainter
اللوحة التي أنجزها (كلاود باينتر) – صورة: CloudPainter

وعندما يتعلق الأمر بالفنون، يتخيل (بلوميون) أن الروبوتات بإمكانها أن تتخذ دور المساعدات الافتراضية التي تمنح الفنان الإلهام وتؤدي عدة مهمات تخدمه بها، مثل تلوين الخلفيات أو مزج عدد معين من الألوان المختلفة، ويعتقد (بلوميون) كذلك أن مفهوم الإبداع البشري سيتطور مع تطور التكنولوجيا، حيث ستكون هناك قرارات إبداعية جديدة لتؤخذ حول الطريقة الفنية المثلى التي يجب وفقا لها أن تستغل هذه الوسائل الحديثة.

بغض النظر عما يجعلك هذا تشعر به؛ فنون الروبوتات هي أمر خرج للنور مسبقاً وأصبح واقعاً مُعاشاً، فقد عرض مزاد (كريستيز) العلني منذ وقت حديث قطعة فنية من إنتاج الذكاء الاصطناعي للبيع لأول مرة، والتي بيعت مقابل سعر 10 آلالف دولار، لكن التساؤل يبقى ما إذا كنا سنشهد ذلك اليوم الذي تصبح فيه الفنون التي تنجزها الآلات في حاجة إلى اسم جديد.

يقول (ديلان فريمان)، وهو مبرمج وباحث في الفنون التي ينجزها الذكاء الاصطناعي لدى شركة غوغل: ”من المهم جدا أن ندرك حجم الاهتمام الذي نعيره في سبيل فهم الفن“، ويضيف: ”مازال الفن الذي تنجزه الآلة بدون أي تدخل بشري خلف الكواليس غير موجود بعد، وعندما يصبح حقيقة، سيصبح علينا مواجهة حقيقة ما إذا كنا سنعتبره فنا أم لا في الأصل“.

قطعة فنية من إنتاج الذكاء الاصطناعي للبيع لأول مرة، والتي بيعت مقابل سعر 10 آلالف دولار
قطعة فنية من إنتاج الذكاء الاصطناعي للبيع لأول مرة، والتي بيعت مقابل سعر 10 آلالف دولار.

مقالات إعلانية