in

الحج: إستثمار دون عناء… وثروة بديلة للنفط

فندق بجانب الحرم المكي

بلغت عوائد السعودية من الحج 17 مليار دولار. بينما عائدات فرنسا، التي استضافت اليورو هذه السنة، بلغت فقط مليار ونصف المليار دولار..

عدد من زار السعودية من الخارج هو مليون وستمائة ألف حاج، وزوار فرنسا من المشجعين الاوروبيين بلغ المليون ونصف مليون مشجع لليورو…

متوسط عدد الليالي للحاج هو 18 ليلة فندقية للحاج الواحد، بينما معدلها للزائر الاوروبي بين 10 ليالي 14 ليلة…

يورو 2016

معدل ما صرفه السائح في فرنسا حوالي الالف يورو—باستثناء التذاكر التي تذهب قيمتها للاتحاد الاوروبي لكرة القدم—في حين أن معدل ما يصرفه الحاج يترواح ما بين 4 إلى 5 آلاف دولار كحد أدنى ويصل بل ويتجاوز في بعض البرامج الفاخرة 10 آلاف دولار…

طبعا عوائد فرنسا غير مباشرة بمعنى أن ما دخل خزينتها من عوائد المليار ونصف ما يعادل 300 مليون دولار وهي نسبة الضريبة على الخدمات من مواصلات ومطاعم واستهلاك وليالي فندقية..إلخ. في حين أن:

عائدات القطاع الخاص من موسم الحاج هي في المتوسط 60 مليار ريال، أي ما يعادل 17 مليار دولار أميركي، وإذا أضفنا إليها أرباح النقل والتموين ومواد المعيشة قد تكون في حدود 100 مليار ريال. هذا هو العائد التقديري لكن الاستثمارات كبيرة.. أكبر من ذلك بكثير.

وهذا التصريح منقول نصا من اسامة البار، أمين مدينة مكة.

فرنسا بلد مرتفع المعيشة ومع ذلك قد يغطي مبلغ ألف يورور برنامجا جماعيا لزيارتها في حين أن برامج الحج ثقيلة الوطأة على الحجاج الذين يبيع الكثير منهم كثيرا من متعلقاتهم في سبيل الذهاب الى رحلة دينية يصب فيها ”تحويشة العمر“ وبمبلغ يعادل الخمسة آلاف دولار تتوزع على رسوم تفرضها وزراة الحج عبر سفاراتها في العالم.

لا شك أن مقارنة بسيطة بين الاستضافتين ستشعر القارئ بان هناك مبالغة كبيرة في ما تفرضه السعودية كتكلفة ورسوم على الحاج الواحد، وتصل حد الاستغلال خصوصا إذا عرفنا ان السائح في فرنسا سيستمتع وبفارق خدمات أفضل وسيزور أفضل الاماكن السياحية وكل ذلك بملبغ أقل مما يصرفه الحاج ولنفس المدة تقريبا.

تُكلف استضافة الفعاليات الرياضية الكبرى انفاقَ اموالٍ هائلة، بلغت في اولومبياد البرازيل الأخير حوالي 12 مليار دولار في حين ان فوائدها المباشرة ضئيلة، وغالبا ما تكون الإستفادة الابرز منحصرة في التسويق للبلد كوجهة سياحية على المدى البعيد، أما كأرباح وعوائد مباشرة فهي قليلة. ولدينا مثال اليونان التي دخلت في أزمة اقتصادية بعد استضافتها لالومبياد 2004 وكذلك مونديال البرازيل 2014 الذي سبب تضخما وعجزا في الموازنة الحكومية، الأمر الذي جعل غالبية البرازيليين يعارضون استضافة الالومبياد الذي أقيم هذا العام.

تبلغ عوائد الحج المباشرة وغير المباشرة أضعاف ما تنفقه الحكومة السعودية على هذه الفعالية الدينية السنوية، فهو عبارة عن ”مونديال“ ديني واقتصادي سنوي ولا يحتاج استثمارات كبيرة سوى توسعات معينة في المرافق من عام لآخر، بالاضافة الى أنه فعالية لا تحتاج لتسويق واسع النطاق باعتبار أن رأس مال هذه الفعالية هي العاطفة الدينية لدى أغلب المسلمين الذين ينظرون إلى ان ”ايمانهم يظل ناقصا“ مالم يتوجوه بانفاق 5 آلاف في شعاب مكة والمدينة، وهو مبلغ قد يعادل ما يقدمه أية حاج لحكومة بلده من ضرائب لمدة خمس إلى عشر سنوات باختلاف المداخيل.

ربما هذه الارقام—وهي من مواقع اعلامية سعودية—هي من يجعل السعودية ترفض أية مقترحات لادارة دولية مشتركة للحج، لأن الادارة المشتركة ستعني توزيع العائدات على جميع الدول الاسلامية وانشاء وقفية خاصة ومنفصلة عن ادارة وتدخل الدولة السعودية، فضلا عن اي استثمارات تضخها السعودية في ”صناعة“ الحج ستشكل لها عائدا مستقبليا وبديلا عن النفط الذي تتضاءل قيمته سنويا مع تزايد اعتماد العالم على الطاقة البديلة.

الكعبة

كانت ماليزيا قد اقترحت منذ سنوات المساهمة في الاستثمار بالبنية التحتية في الحج، وطالبت قبلها ليبيا في عهد القذافي وحاليا ايران بتدويل الحج، فضلا عن مقترحات كثيرة لكتاب ومثقفين مسلمين تطالب باعطاء مكة والمدينة وضعية قانونية وسياسية قريبة من وضعية الفاتيكان، باعتباره هذه الاماكن المقدسة تخص اكثر من مليار ونصف المليار مسلم، ومن حق هولاء أن يكون لهم دورا في ادارة شؤونهم الدينية ابتداء من التنظيم والتمويل، بل وصولا إلى أن يكون خطباء وأئمة الحرم من جنسيات مختلفة وليسوا من تيار ديني واحد على النحو الذي نراه في الفاتيكان، التي يقف على رأس سلطتها الدينية الحالية البابا فرانسوا الذي يحمل الجنسية الارجنيتية.

الاقتصاد عامل حاسم في مسألة إدارة الحج بالاضافة إلى دور هذه الشعيرة الدينية في اضفاء مشروعية دينية للحكم في السعودية، ولهذا السبب لن نستغرب هذا الدفاع الشرس من قبل رموز المؤسستين الدينية والسياسية في السعودية ضد أية محاولات او مقترحات للاشتراك في إدارة الحج.

مقالات إعلانية