in

ضريح من الرخام الأبيض لمرتكب جريمة قتل المجدف في باكستان

ضريح لمرتكب جريمة قتل المجدف في باكستان
صورة لـAsad Hashim من الجزيرة

بينما يناقش مجلس الشيوخ الباكستاني قوانين التجديف، يزور الآلاف ضريح ممتاز قادري، قاتل حاكم ولاية البنجاب سلمان تيسير.

ترتفع مئذنتان نحيفتان إلى السماء، تابعتان لمبنى ذو قبة خضراء، يقع بين التلال الممتدة على مشارف مدينة إسلام آباد، عاصمة باكستان.

خططت الجدران داخل ذلك المبنى بآيات من القرآن تثني على رسول الإسلام محمد، ويحاكي تصميم المبنى مسجد الرسول في المدينة المنورة في المملكة السعودية. ورصع السقف بفسيفساء زجاجية معقدة، تصبح مشكالاً تنعكس فيه الألوان والأشكال. يقبع في وسط الغرفة الداخلية قبراً من الرخام الأبيض، نقش الحجر على أطرافه بزخارف دقيقة، وغطي القبر بالورود التي تملأ رائحتها المكان.

يجلس الزوار على الأرض المغطاة بالسجاد ويقوم البعض بتكريم الميت بالصلاة، والبعض الأخر يقرأ القرآن. وفي أحد الزوايا، يتلو ثلاثة رجال قصائد في مديح الرسول محمد.

تتعارض السكينة المطمئنة في هذا المكان بشكل مخيف مع الفعل الذي جلب هؤلاء الزوار إليه، لأن هذا هو قبر ممتاز قادري، الشرطي الباكستاني الذي قام؛ في عام 2011، بإطلاق 28 رصاصة على الحاكم السابق لولاية البنجاب سلمان تيسير بسبب تهمة تجديف مزعومة، فقتله على الفور.

”من الشعب“

شُنق قادري السنة الماضية بعد أن أدانته المحكمة بجريمة القتل، وشارك في تشييع جنازته عشرات الألاف. قامت عائلته حاليا باستخدام مال التبرعات باسمه في بناء هذا الضريح، وسيلحق به مسجد ومدرسة في المستقبل.

قال الأخ الأكبر لممتاز، أمير قادري، وهو يشير إلى الضريح الذي لايزال قيد الإنشاء أن ”كل هذا من الناس العاديين.“ يجلس أمير خلف طاولة بلاستيكية صغيرة عند مدخل الضريح، وأمامه دفتر حسابات لتسجيل التبرعات. وقال ”لقد بنينا هذا الضريح لأجله، فهذا حقه كمحب للرسول.“ وأضاف أن الألاف يتوافدون على الضريح كل أسبوع.

ولغاية الآن، كلفت عملية البناء 67000$، جاءت من تبرعات المؤيدين ومن مدخرات العائلة. ويقول أمير أن التكلفة ستصل إلى ما يقارب 955000$ بعد الانتهاء من بناء المسجد والمدرسة في غضون سنتين. واستطرد قائلا ”سنبني قدر ما استطعنا… لقد وضعنا الطوب، ومن يأتي بعدنا سيضع الرخام، ومن يأتي بعد ذلك قد يضع الذهب، والآخرون الفضة.“

ضريح لمرتكب جريمة قتل المجدف في باكستان
صورة لـAsad Hashim من الجزيرة

وكانت قوانين التجديف الباكستانية في الكتب منذ قبل الاستقلال من الاستعمار الإنجليزي في 1947، ولكنها بدأت تُستخدم بشكل متزايد منذ الثمانينيات، حيث تم تعزيزها إبان حملة ”الأسلمة“ التي قادها الدكتاتور العسكري ضياء الحق في ذلك الوقت.

واليوم، من يدان بتهمة الإساءة إلى الرسول محمد يواجه عقوبة إعدام إجبارية. وتتراوح عقوبات التجديف الأخرى ما بين الغرامات والسجن مدى الحياة.

وحسب المفوضية الأمريكية للحريات الدينية الدولية، يوجد 40 شخصا ما بين محكوم عليه بالإعدام أو بالسجن مدى الحياة بتهمة التجديف في باكستان في الوقت الحالي. ومع ذلك، تشهد ظاهرة القصاص الأهلي من قبل أفراد أو حشود تنتمي إلى اليمين السياسي تزايدا. فحسب إحصاءات الجزيرة الإنجليزية، قتل من يأخذون على عاتقهم تنفيذ القانون 68 شخصا متهما بالتجديف على الأقل منذ 1990.

وتقول جمعيات حقوق الإنسان أن تهمة التجديف تستخدم في العادة ضد الأقليات ولتصفية حسابات شخصية أو فضح المتهم بها أمام الناس.

النقاش في مجلس الشيوخ ”معصية“

وفي أواخر يناير، بدء مجلس الشيوخ الباكستاني بمناقشة قضية إساءة استخدام القانون بشكل رسمي لأول مرة منذ 24 سنة. فقالت نسرين جليل، رئيسة لجنة حقوق الإنسان في مجلس الشيوخ، أن ”قانون التجديف قانون مثير للجدل في باكستان لأن الناس لديها مشاعر قوية حياله، ونحن بطبيعة الحال نحترم مشاعر كل الناس. علينا أن نفعل شيئا من الناحية الإجرائية… بحيث نمنع سوء استخدام القانون.“

ومع التوضيح بأن مجلس الشيوخ لا يبحث إلغاء القانون، قالت جليل بأن أحد الاقتراحات المطروحة للنقاش تهدف إلى تعديل الإجراءات، بحيث يتوجب على ضابط شرطة كبير بأن يجري تحقيق قبل توجيه تهمة تجديف، لاستبعاد الاتهامات ذات الدوافع الشخصية. وأضافت بأنها تأمل أن ”يفتح النقاش عقول الناس وأن يعود بالخير عليهم.“

إلا أن جمعيات حقوق الإنسان تشكك بقدرة التغييرات الإجرائية في الحد من حالات القتل بأيدي الناس خارج إطار القانون.

تعتقد زهرة يوسف، رئيسة لجنة حقوق الإنسان في باكستان، أن ”المشكلة تكمن في تطبيق القانون.“ ومع استشهادها بعدة حالات عنف أودت بحياة المتهمين قبل توجيه اتهام قضائي، تضيف بأنه ”عندما يتهم أحد بالتجديف، غالبا ما تصاب الشرطة بالذعر… وفي معظم الأحيان، تسلم المتهمين بالتجديف إلى الحشود ليتولوا أمرهم. لذلك، فإن تعديل هذه القوانين حاجة ملحة، فهي كالسيف المسلط على رقاب الجميع، إذا ما اختلفت مع وجهة نظر دينية، فمن السهل أن تتهم بالتجديف.“

وتصرح منظمة العفو الدولية بأنه يجب أن تدعم الحكومة أي تغيير في الإجراءات ببيان قوي يعبر عن نيتها بمحاسبة من يقترفون جرائم القتل باسم الدين.

وفي هذا الصدد، قالت ناديا رحمن خان، باحثة في شؤون باكستان في منظمة العفو قالت للجزيرة، أنه ”يجب على الحكومة أن توجه رسالة للعامة، تدين فيها بلا تحفظ أعمال العنف، والتهديد، والترهيب تحت مبرر الدين، وأن تضمن وضع تدابير فعالة لمنع حدوثها مرة أخرى.“

ويشير الجميع إلى غياب الإرادة السياسية في السنين الأخيرة، خاصة منذ اغتيال تيسير. وبعد شهرين من تلك الحادثة، لقي شهباز باهاتي مصرعه رميا بالرصاص، وكان وزير شؤون الأقليات وناشط متحمس لتعديل قوانين التجديف.

كما لاتزال تواجه شيري رحمن، نائبة في البرلمان، قضايا تجديف وتهديدات نتيجة تقديمها لمشروع قانون، تخلى حزبها عنه، لتعديل قوانين التجديف.

وتعلق شهيربانو تيسير، ابنة سلمان تيسير، بأنه ”كان يجب على الحكومة أن تضع حدا لهذا الأمر بعد الذي حصل (لتيسير وباهاتي) وما تبعه، وفشلها في ذلك كان بمثابة تشجيع لمقترفي هذه الجرائم. فانتشر خوف واضح في البلد، وابتعد الناس عن الموضوع. وبين ليلة وضحاها، تغير كل شيء (والأن) لا يريد أحد أن يتطرق لموضوع تعديل القانون.“

في نفس الوقت، لا يزال اليمين السياسي في باكستان مصرا على أن قانون التجديف فوق النقاش إلا في حال جعله أكثر صرامة. فيقول عبد الرسول، وهو قيادي في حزب التحريك السني الباكستاني، أنه ”يجب على البرلمان، آخذا باعتباره هذه الأحداث، أن يعزز القانون بجعله أكثر قوة، بحيث يخاف أي أحد من أن يجدف لأن القانون قوي وسينال منه.“ ويؤمن عبد الرسول بشرعية ما فعله قادري، لأن ضباط الشرطة رفضوا أن يوجهوا تهمة التجديف ضد تيسير.

ويصرح بأنه ”لا بأس إذا ناقش البرلمان (القانون) لزيادة فعاليته. ولكن أن يناقش القانون للتقليل من فاعليته، أو لإلغاء عقوبة الإعدام التي ينص عليها، أو لإفساح المجال لأي شخص ليسيء للإسلام، فذلك النقاش هو معصية.“

لماذا كل هذا العنف؟

هذه هي إحدى القضايا التي تكمن في لب النقاش حول القانون: إن مجرد النقاش حول القانون يعد تجديفا. فقال قادري أن ما دفعه إلى قتل تيسير هو تصريحه بأن قانون التجديف هو ”قانون أسود“ أثناء حملته لإطلاق سراح آسيا نورين، الباكستانية المسيحية التي حكمت المحكمة بإعدامها بعد أن أُدينت بالتجديف. وقتلت حشود قصاص أهلية آخرون كان لهم علاقة بقضايا التجديف، كمحامي لمن وجهت لهم التهمة، وقضاة ترأسوا جلسات محاكم قضايا التجديف، وحتى أفراد من عائلات المتهمين.

وبرأي أرسلان خان، عالم الأنثروبولوجيا المجتمعية، الذي يدرس حركات الصحوة الإسلامية، فإن العقد الاجتماعي المكسور بين الدولة ومواطنيها هو السبب وراء الكمية الكبيرة من أعمال العنف التي تحيط بالنقاش حول القوانين.

فيقول إن ”شرعية الدولة (لشخص مثل) قادري هي ارتباطها بالإسلام. وقانون التجديف هو حلقة وصل أساسية بين سيادة الدولة والإسلام لأنها تحظر الإساءة إلى الرموز المقدسة كالقران أو الرسول. أنها حلقة الوصل هذه بالذات بين الإسلام والقانون وسيادة الدولة التي يعتقد قادري بأن أشخاص مثل سلمان تيسير يسعون إلى تدميرها… فبإمكاننا أن نفهم اغتيال تيسير والخوف الذي سيسري فيمن هم مثل تيسير على أنه فعل تصحيحي، من شأنه إعادة ربط الدولة الباكستانية بجذورها الإسلامية.“

ويبدو أن زوار ضريح قادري يوافقون على هذه الفهم. فيحاجج طلحة شهباز، تاجر ملابس سافر أكثر من 400 كم لزيارة الضريح، ويسأل ”لماذا لم تتخذ الحكومة أي إجراء (ضد تيسير)؟ لأنه كان جزء منها، لماذا اضطر ممتاز قادري على أن يفعل ما فعل؟“

ويشير الآخرون إلى الخلاف ما بين التفسير المتشدد للشريعة والقوانين التي تسنها الديموقراطية النيابية. فيقول جل زمان، زائر للضريح يبلغ من العمر 60 عام، أنه ”حسب الشريعة الإسلامية، (ما فعله قادري) كان صحيح بالكامل. ومن الواضح أن الشريعة تنسخ قانون الدولة، فهذا ديننا، أن ما علمنا إياه رسولنا هو الحقيقة.“

وبالإضافة، يعتقد أرسلان أن هناك شعور في بلد مثل باكستان – حيث درجة التفاوت الاقتصادي عالية وإجراءات العدالة الرسمية غير فعالة – أن النخبة الحاكمة منفصلة عن هموم ومخاوف المواطن العادي، وأن تطبيق الحدود في نقاش حول قانون التجديف – وإن تتطلب الموت أحيانا – هو سبيل المواطن في التصدي لتلك النخبة. فيقول إن ”الإحساس بالبعد يأتي أيضاً بسبب التهميش الاقتصادي. فالأغلبية الساحقة من قواعد الحركات السنية تنتمي إلى ما بين الطبقة العاملة والمتوسطة بالإضافة إلى صغار التجار، ولكن دون أي انتظام. وهذا يغذي الإحساس بفساد النخبة والدولة.“

أو كما قال شهباز: ”لماذا اضطررنا لهذا الفعل؟ لماذا وصلت القضية إلى ما وصلت إليه… بإمكانك أن ترى كيف تطبق ”العدالة“ هنا. الأثرياء دائما يفلتون من العقاب، والكل يعرف ذلك.“

وفي نفس الوقت، على بعد عدة أمتار، تتقدم امرأة مسنة من أمير قادري، الذي يجلس خلف طاولة التبرعات، لتتبرع بمبلغ 100 روبية (حوالي 1$) لمشروع الضريح. وعندما سُئلت عن سبب تبرعها، قالت إن ”(قادري) كان يحب الرسول. هل يوجد ما هو أفضل من ذلك؟“

مقالات إعلانية