in

تمثال ”مريم العذراء“ يذرف دموعاً من زيت الزيتون في ظاهرة زعم قادة الكنيسة أنهم عجزوا عن تفسيرها

تمثال مريم العذراء في (نيو ميكسيكو) الذي زعموا أنه يذرف دموعا

داخل الكنيسة الكاثولية في (نيو ميكسيكو) في الولايات المتحدة الأمريكية؛ يقف تمثال برونزي بطول مترين لـ”مريم العذراء“ التي بدا وكأنها ”تنتحب“ في الأيام القليلة الماضية، ذلك أن التمثال كان يذرف دموعا.

يُعرف هذه التمثال محليا باسم ”سيدتنا غوادالوبي“ Our Lady Guadalope، وهو لا يذرف دموعا بشرية بالطبع، وكان أحد المحققين في القضية التابعين لـ”أسقفية الكنيسة الرومانية الكاثوليكية في (لاس كروسيز)“ بـ(نيو ميكسيكو) قد قال بأن ”دموع“ التمثال كانت بنفس التركيبة الكيميائية لزيت الزيتون المعالج بالعطر، وهي مادة من إنتاج الكنائس تتم ”مباركتها“ واستخدامها في الكثير من المراسيم والاحتفالات على غرار التعميد، والتي تُعرف باسم ”الميرون“ أو الزيت المقدس.

يقول قادة الكنيسة بأن هذه الحادثة النادرة و”الفريدة“ قد جلبت الناس من جميع المناطق، الذين قدموا بنيّة التوبة والتحول إلى المسيحية من أديان أخرى، وكذا لمشاهدة التمثال وهو يذرف دموعا. غير أنه وفقا لأحد الخبراء فإن السؤال الذي يجب طرحه ليس كيف لهذا الأمر أن يحدث، أو ما إذا كان يحدث بصورة طبيعية، بل كيف يتجاوب الناس مع هذه الظاهرة، ولماذا يرغبون بشدة في الإيمان والتصديق بها.

من الجدير التنويه إلى أن الخدع من هذه النوع سهلة التنفيذ والتحقيق لدرجة جعلت الكنيسة الكاثوليكية تتخذ خطوات سريعة في إدارتها واستغلالها من خلال تعيين بعض ”المحققين“ الذين ينتمون إليها بطبيعة الحال، أو أنها لا تتخذ موقفا رسميا منها وتتركها تستمر في جذب اهتمام الناس، حيث أن الكنيسة و”محققيها“ المزعومين لم يفكوا ألغاز سوى بضعة خدع من هذا النوع في تاريخها كله.

وعلى ما يبدو، فإن الكنيسة الكاثوليكية تلجأ لهذا النوع من الحيل بين الحين والآخر لترفع من نسبة أتباعها، وتعيد جذب كل من حاد عن سبيلها، لأنه من الواضح جدا، وعلى ضوء اعتراف القائمين على الكنيسة أنفسهم، فإن تركيبة هذه الدموع المزعومة كانت مثل تركيبة الزيت المقدس الذي تستخدمه الكنيسة في العديد من مراسيمها بعد “مباركته”، فما الذي يمنع يا ترى أحد القساوسة من العبث بهذا التمثال الأجوف بطريقة تجعله يذرف دموعا “من زيت الزيتون المبارك”!

يقول (جون تافيس)، مؤلف كتاب ”نبوءات الفاتيكان“ الصادر سنة 2015: ”لدى الكنيسة الكاثوليكية تاريخ طويل في التصديق بالظواهر الخارقة للطبيعة“، وأضاف: ”يعم نوع من الفضول والحماس عند حصول أمر من هذا النوع لأنه يبدو وكأنه يؤكد على المعتقد التقليدي القائل بأن الرب حاضر في عالمنا وأن قدراته الخارقة تكون أحيانا مرئية لنا“.

لكن القائمين على الكنيسة مصرون على استمرارهم في استغباء الناس والعبث بعقولهم، حيث أخبرت (جودي رونكيلو)، مديرة أعمال كنيسة (نيو ميكسيكو)، صحيفة الـ(واشنطن بوست) أن هذه الظاهرة بدأت في الحدوث يوم الأحد في العشرين من شهر مايو 2018، عندما قدم أتباع الأبرشية ليزوروا تمثال ”سيدتنا غوادالابوي“ ولاحظوا بأن ما يشبه الدموع يسيل من عيني ”مريم العذراء“، وأضافت بأن التمثال استمر في ”النحيب“ حتى اليوم التالي، وهو الأمر الذي استمر في الحدوث كذلك على نحو متقطع خلال عدة مناسبات لاحقا.

وكان القس (خوزي سيغورا) قد صرح أنه خلال السنوات الـ12 التي عمل فيها قسًّا لم يشهد أمرا مثل هذا قط وأنه قد واجه صعوبة في تصديقه في البادئ، لكنه قال أيضا بأن المكان يعج بكاميرات المراقبة التي لدى مراجعتها لم يلحظ حدوث أي تدخل بشري في الظاهرة، ومنه فإنه ينفي أن تكون حدثت بفعل إنسان، وأضاف بأنه لو وجد دلائل على أنها من صنع الإنسان لما تركها تستمر في الحدوث.

قالت المديرة (رونكيلو) في القس السابق الذكر: ”إن ما حدث شكّل ظاهرة خارقة بالنسبة له“، وأضافت: ”لا يملك أية كلمات للتعبير عنه أو وصفه، وهو لم يصدق بواقعية الأمر عند حدوثه أول مرة، لكنه الآن مؤمن جدا به“.

أظهرت صور وفيديوهات أطلقتها الكنيسة هذا التمثال مع ما يبدو سائلا يتسرب من عينيه نزولا على الوجنتين والفم والذقن، وفي إحدى تلك الصور يبدو وكأن تسرب ”الدموع“ بدأ من الأجفان العلوية وليس من العين ذاتها.

صورة تمثال مريم العذراء، أو كما يعرف محليا باسم "سيدتنا غودالوبي" الذي زعموا أنه ينتحب ويذرف دموعا.
صورة تمثال ”مريم العذراء“، أو كما يعرف محليا باسم ”سيدتنا غودالوبي“ الذي زعموا أنه ينتحب ويذرف دموعا.

صرح (جيم ويندر) نائب مستشار الأسقفية الكاثوليكية في (لاس كروسيز) بأنه كان هناك حجم معتبر من السوائل المتسربة من التمثال، حوالي 500 ميليلتر، لدرجة أنها تسربت نزولا حتى أسفله، وقال بأنه قام هو وبعض المحققين في الحادثة بتفحص التمثال والمناطق المحيطة به بما في ذلك السقف بحثا عن أية علامات عن كون الظاهرة وقعت بفعل إنسان، الذي قد يكون عبث بالتمثال أو بمحيطه، لكن دون جدوى.

واستطرد (ويندر) قائلا بأن المحققين تواصلوا كذلك مع صانع التمثال في المكسيك الذي نفى لهم كل النظريات القائلة بأنه –التمثال البرونزي والأجوف من الداخل– قد يكون يسرب أو يحتوي على أية مواد في داخله.

جمع المحققون حوالي خمسة ميليلترات –ملعقة شاي– من تلك ”الدموع“ ثم قاموا بإجراء الاختبارات عليها، وقال (ويندر) بأن النتائج أظهرت بأنه: ”على نفس التركيبة الكيميائية لزيت الزيتون المعالج بأحد أنواع العطور“، أي تماما مثل ”الميرون“ أو الزيت المقدس، وأضاف (ويندر) بأن السائل كان شفافا ونظيفا أي لم يكن يكتسي ذلك اللون المائل للبني الذي يمتاز به زيت الزيتون، فقال: ”نحن لا نعتقد أن أحدهم أخذ الزيت المقدس من الكنيسة واستعمله على التمثال ليحيك هذه الظاهرة“، لكنه أعقب تصريحه هذا بكون المسؤولين في الكنيسة لا يملكون أي تفسير لها: ”نحن لا نملك شرحا وتفسيرا لها“.

يبدو وكأن المسؤولين في الكنيسة الكاثوليكية غير مكترثين كثيرا بكون تمثال ”مريم العذراء“ يذرف دموعا، كما لم يكلفوا أنفسهم عناء معرفة مصدر تلك الدموع، لكن (ويندر) قال بأن الأسقفية تشرف على الاستجابة الشعبية لهذه الظاهرة وتديرها بعناية في قوله: ”ذلك هو الأهم على الإطلاق، أن هذه الظاهرة قرّبت الناس كثيرا من الرب، وهو ما يهم أكثر“، وأضاف (ويندر): ”إن الإنجيل يتحدث حول الحكم على الشجرة بناء على ثمارها، لذا نحن هنا نرغب في الحكم على هذه الظاهرة من خلال ما سينتج عنها“.

يقول (تافيس) بأنه عندما يحدث ما يبدو وكأنه ظاهرة خارقة للطبيعة في الكنيسة، فإنها تجذب الكاثوليكيين الذين يأتون بحثا عن الغفران والصلاة، معتقدين أن الرب قد يكون ”يمنحهم رابطا مباشرا يربطهم به هم وكل من يرغب في اغتنام الفرصة“.

جون تافيس
(جون تافيس)، المؤلف والصحفي الذي كتب الكثير من الأعمال حول الفاتيكان وبعض الأمور الدينية.

وقال (تافيس) بأن الفاتيكان تسمح، في حالات مثل هذه، للظاهرة الغريبة بأن تستمر دون تبنيها بشكل كامل وفاضح، وهو النهج الذي يبدو وكأنها تجبر القساوسة المحليين على اتباعه أيضا، لأن مثل هذه الحوادث ”يكتشف عنها لاحقا بأنها مجرد خدع من صنع الإنسان، أو يتدخل العلم لتفسيرها، مما يزيل عنها طابع الغموض والقدسية“. لكن الأمر قد يستغرق سنوات دون اكتشاف إجابات منطقية عنه، وخلال كل هذه المدة ستستفيد الكنيسة كثيرا.

قال (ويندر) بأنه في هذه المرة لم يكتشف المحققون أية دلائل على أن هذه الظاهرة التي حدثت كانت من صنع الإنسان، لكنهم ما زالوا يشرفون على الوضع ويديرونه، فقال: ”إنها ليست من عمل الإنسان، مما يترك مصدرين محتملين فقط: الشيطان والرب“.

في العقود الأخيرة الماضية، تم تداول عدة قصص عن حوادث من هذا النوع في إيطاليا حول تماثيل بدأت في ”ذرف دموع من دم“، وفي سنة 2002 على سبيل المثال، شوهد تمثال (سان بادري بيو) يذرف دموعا من دم التي تبين لاحقا أنها تعود لامرأة، وفي سنة 2008 حوكم أحد القيّمين على إحدى الكنائس بسبب تزييفه لدموع ”دموية“ على أحد التماثيل الخاصة بـ”مريم العذراء“، حيث أن الحمض النووي للدماء التي أخذت عن التمثال تطابق تماما مع حمضه النووي.

وتعتبر أكثر قضية جدلية لتماثيل ”مريم العذراء“ التي تذرف دموعا تلك التي حدثت في سنة 1995 في بلدة (سيفيتافيشيا) الإيطالية، حيث ادعى حوالي ستون شخصا أنهم رأوا التمثال يذرف دموعا من دم في 14 مناسبة مختلفة، وتبين لاحقا أن الدم كان تابعا لرجل ذكر، وهو مالك التمثال نفسه، رجل يدعى (فابيو غريغوري) الذي رفض بشدة أن يخضع لفحص الحمض النووي.

مقالات إعلانية