in

دخلك بتعرف ما هي الهويّة الجنسيّة؟

الهوية الجنسية
صورة: Lydia Ortiz

يعطينا المبنى الاجتماعي الذي قامت البشريّة ببنائه منذ آلاف السنين صورةً سطحيّةً جدًا عن معنى الهويّة الجنسيّة. لقد ربي جميعُنا على وجود جنسين فقط، ذكر وأنثى، وهما مساويان لتعريف رجل وامرأة أو شاب وفتاة.

هذه الصورة تفرض فكرة أنّ الهويّة الجنسيّة هي عبارة عن ”أبيض أو أسود“. لكن، في الحقيقة، يوجد مساحاتٌ كبيرةٌ من اللون الرماديّ بينهما. فهل فعلًا كلمتا رجل وامرأة هما مرادفان لـ”ذكر وأنثى“؟ هل يوجد وظائف محددة للذكور ووظائف محددة للإناث؟ هل فعلاً العلاقة الطبيعية الوحيدة هي العلاقة بين ذكر وأنثى؟

في هذا المقال سوف نحاول الإجابة عن هذه الأسئلة ونشرح المعنى الحقيقي للهويّة الجنسيّة حسب أبحاث عديدة من علم النفس وعلوم البيولوجيا.

الهويّة الجنسيّة ترمز لكيفيّة تعريف الفرد لذاته من ناحيةٍ جنسيّة، لأنّ لكلّ فردٍ هويّةً جنسيّةً مختلفةً عن الآخر وهي مركبٌ أساسي لهويّة الفرد، تعكس تصوّره ومفهومه الذاتي لجنسانيته. للهويّة الجنسيّة خمسة مركبات، وهي:

المركب الأول: الجنس البيولوجي

الجنس البيولوجي يحدّد الفرد حسب الأعضاء البيولوجيّة الخارجيّة والداخلية: أي الأعضاء التناسليّة الواضحة في جسم الذكر أو جسم الأنثى من جهة، وأيضًا الجينات الوراثية والكروموسومات والهورمونات الداخليّة.

أغلبيّة البشر يولدون فعلًا ذكوراً أو إناثاً، ومن الممكن تحديد الجنس البيولوجي بسهولة، لكن تبقى نسبة صغيرة من البشر نطلق عليهم اسم ”Intersex“، وهؤلاء الأشخاص يولدون مع أعضاء تناسليّة (مشوّهة) أو غير واضحة، لذلك من غير الممكن الجزمُ بشكلٍ قاطع فيما إذا كان المولودُ ذكراً أم أنثى. يقوم الأطباء ُ في حالاتٍ عديدة بتحديد جنس المولود خلال فترةٍ قصيرة بعد الولادة، وذلك للجنس الأقرب إلى أعضائه، لكن في الآونة الأخيرة يوجد الكثير من الكلام في المجال الطبي بهدف عدم إجراء هذه العمليات وتعريف هؤلاء الأشخاص كجنسٍ ثالث.

المركب الثاني: النوع الاجتماعيّ

الجنس الاجتماعي
صورة لـHey Paul Studios من فليكر

وهو مركبٌ خارج عن الهويّة التي يحددها الشخص لنفسه بشكلٍ مباشر، وإنما هو التعريفات والوظائف الاجتماعيّة التي يعطيها المجتمع الحالي للمولود كذكر وكأنثى.

مثلًا، الذكور لهم الأعمال الجسديّة الشاقة، والإناث لهم تربية الأولاد وتحضير الطعام. أو مثلًا من المفترض على الأولاد من الذكور أن يلعبوا ألعاب حربٍ وقتال، والإناث أن يلعبن بالدّمى وغيرها من الأمور. وحتى إنه من المحدد أن اللون الأزرق للذكور واللون الزهر للإناث، إذ يُوضع كلٌّ منهما في سريرٍ حسب هذا اللون عند الولادة في المستشفى.

هنا ندخل لموضوع الـGender Roles (الوظائف الجندريّة) وما هي توقعات المجتمع من الشخص حسب إذا كان ذكر أم أنثى. وتختلفُ هذه الوظائف من مكانٍ لآخر في العالم، وطبعاً لم تكن متماثلة على مر الزمن وفي كل القبائل القديمة. لكن في عصرنا الحديث يوجد تعريفٌ واضح ومتفق عليه بين أغلبيّة المجتمعات لوظائف وصفات المرأة ووظائف وصفات الرجل، الذي هو طبعًا ليس بالضرورة أن يكون فعليًا هكذا، فهو ليس إلا نظرة المجتمع.

المركب الثالث: الميول الجنسي

عالم العلاقات الجنسيّة، هذا العالم وبسبب تقديسه والامتناع عن التفكير أو البحث به اجتماعياً أو دينياً، كان من الصعب لفترةٍ طويلة من الزمن التعرّف عليه أكثر أو فهمه بصورةٍ أعمق، فقد نشأنا جميعنا على مفهوم أن العلاقة الجنسيّة الوحيدة هي العلاقة بين الذكر والأنثى وذلك بهدف إنجاب الأطفال للعالم فقط. لكن تبيّن أن الموضوع، مثل ما تحدثنا سابقًا، له الكثير من المساحات الرمادية، ولا يقتصر فقط على الأبيض والأسود.

اقترح عالمٌ اسمه ”كنزي“ سلّماً تعريفيّاً لنوعيات الانجذاب. يقسّم سلّم ”كنزي“ الميول الجنسي للبشر من 0 حتى 6، حيث أن الرقم صفر يرمز للأشخاص المغايرين أو ما يُعرف بالـHetrosexual في اللغة العلميّة وهم الأشخاص الذين يميلون فقط للجنس البيولوجي المعاكس، أي ذكور مع إناث أو العكس. والرقم ستّه يرمز للأشخاص المثليين أو الـHomosexual، أيّ الذين يميلون فقط لأبناء جنسهم البيولوجي ذاته، أي ذكور مع ذكور وإناث مع إناث.

سلّم كنزي
سلّم كنزي

بحسب الأبحاث والاستطلاعات التي أُجريت على هذا الموضوع، تم الإستنتاج أنه ما يقارب الـ80% من البشر يقعون بين درجة 1 حتى درجة 5 على هذا السلّم، أي أنه فقط 20% من البشر يعرّفون أنفسهم كمثليين أو مغاييرين بشكلٍ مطلق. الأشخاص الذين يقعون على رقم 3 يُدعون ثنائيّي الميول أو Bisexual.

لاحقاً تمّ إضافة درجة ”X“ على السلّم وهي تعبّر عن اللاجنسيّة، أو الأشخاص الـAsexual أي الذين لا ينجذبون جنسياً لأيٍّ من الجنسين.

المثيرُ للاهتمام في الأمر أنّ الميول الجنسيّة المختلفة هذه موجودةٌ في الطبيعة أيضاً عند ما يزيد عن 1,500 صنفٍ من الكائنات الحية بشكلٍ طبيعي لا يؤثر على استمراريّة الجنس الحيّ.

حتى اليوم لم يقدر العلم أن يجزم بشكلٍ قاطع ويعرّف العامل المحدد للميول الجنسي للفرد، إن كان جينيّاً أم بيئياً. ولم يتم إيجاد أي رابط، من خلال أبحاثٍ عديدة، بين أحداث حياتيّة مثل التعرض للاغتصاب أو النمو مع أشقّاء من الجنس الآخر فقط أو عدم وجود أم أو أب في العائلة وبين المثليّة الجنسية.

من ناحية أخرى، اتّضح بأبحاثٍ على توائم متماثلين مثلًا، أنه من الممكن أن يكون أحد التوائم مثليّاً والآخر مغايراً، مع أن الاحتمال بأن يكون كلاهما مثليّين هو أكبر في هذه الحالة.

المركب الرابع: الهوية الجندرية

الهوية الجندريّة

وهي إحساس ونظرة المرء لنفسه، كحاملٍ لصفات الرجولة أو الأنوثة، التي طبعاً قام المجتمع بتحديدها مثل ما ذكرنا في المركب الثاني: النوع الإجتماعي.

في أغلب الأحيان تتوافق الهويّة الجندريّة مع الجنس البيولوجي، لكن ليس بدرجة 100% طبعًا. هناك أشخاصٌ لا يشعرون بالتلائم بين جنسهم البيولوجي والنوع الاجتماعي لهذا الجنس، لهذا يقومون بتغيير جنسهم الجندري، في هذه الحالة نطلق عليهم اسم Transgender. وأمثلة على هذه الحالة، الذكور الذين يلبسون ملابس نسائية (حسب المعايير الإجتماعيّة)، والإناث اللاتي يقمن بقص شعرهنّ وارتداء ملابس رجال. ولكن ليس بالضرورة أن يكون التغيير ظاهرياً.

وفي حالاتٍ معينه أخرى، يختار الأشخاص إجراء عمليّة تحويل الجنس البيولوجي، أي تغيير الأعضاء التناسليّة والبنية الجسديّة خاصتهم عن طريق عمليات جراحيّة أو تعاطي أدوية أو حقنات معيّنة. وذلك لكي يستطيعوا أن يتحولوا للجنس الآخر، في هذه الحاله يطلق عليهم اسم Transexual (متحولون جنسيًا) ويكملون حياتهم بشكل طبيعي.

المركب الخامس: السلوك الجنسي

وهو باختصار الطريقة أو الطرق التي يستعملها أو يفضلها الفرد عند ممارسته للجنس. بدون علاقة بميوله أو دهويّته الجندريّة. أي مع من؟ مع كم شخص؟ كيف الطريقة أو الوضعيات الجنسيّة المفضّلة؟ عمر أو درجة بلوغ الشريك الجنسي وغيرها من الأمور. هنا ندخل إلى عالم ومواضيع مثل الـBDSM والممارسات الجماعيّة والبدوفيليا والجنس مع حيوانات والجنس مع الجثث وغيرها من الممارسات.

تحدّد المركبات الخمسة هذه الهويّة الجنسيّة للشخص، مع كل المركبات والتنوعات الموجودة في كل واحد منهم.

مثل ما وضحنا، القطبيّة ونظريّة الأبيض والأسود هو شيءٌ معدوم وغير صحيح علمياً عندما يتعلّق الأمر بالهويّة الجنسيّة للفرد، وإنما يوجد مساحات رماديّة كبيرة.

على كل حال، الهويّة الجنسيّة هي حرية الفرد الشخصية طالما لم يستغل أو يمس حرية أشخاص آخرين فيها، ومهما كانت غريبةً بالنسبه لنا اجتماعياً، فعلينا تقبلها واحترام حق كل فرد بتعريف نفسه كيفما يلائمه، ويتصرف كيفما يناسبه، ويقع بحب من يشاء.

مقالات إعلانية