in

10 مفاهيم خاطئة عن علم النفس راسخة بين أوساط المجتمع

الحشود

نظريا، كلنا نعتبر علماء نفس مبتدئين، فنحن نراقب تصرفاتنا دائما في مختلف المواقف، ونواقب أيضا تصرفات غيرنا وكيف ستكون في مواقف مشابهة.

تخلق هذه المراقبة مع مرور الزمن حدساً يسمى بـ”علم النفس المنطقي أو الشعبي“، أي توقع وتحليل تصرفات الآخرين بناءً على المواقف التي تواجهنا في حياتنا اليومية. لكن كثيرا ما يتعارض علم النفس الشعبي مع علم النفس المبني على الدراسة الأكاديمية.

هنالك بعض المفاهيم الخاطئة عن علم النفس راسخة وواسعة الإنتشار بين أوساط المجتمع، سنتعرض في مقالنا هذا لعشرة من هذه الخرافات أو المفاهيم الخاطئة:

الخرافة الأولى: نتعلم بفعالية أكثر إذا اتبعنا طرق تعليم تلائمنا أكثر

التعلم

يسود الاعتقاد على أننا نتعلم بشكل أفضل إذا انتهجنا الطرق المفضلة لدينا مثل الإستماع أو التطبيق العملي أو التعليم المرئي.
وقد أظهرت نتائج استقصاء حديث قامت به مجموعة مدرسين بريطانيين أن أكثر من 96% من الناس يؤمنون بهذا المبدأ.

في الواقع فإن أنجع وسائل التلقين لا تتعلق بالطرق التي يفضلها الناس، إذ عادة ما تتغير طرق التعليم بحسب طبيعة المادة التي ندرسها.

هناك أيضاً إشكالات أخرى فيما يخص ”طرق التعليم“ وكيفية قياس فعاليتها. فمعظم أدوات تقويم التعليم غير موثوقة وكثيرا ما لا تتوصل إلى قياس مستوى الأداء الحقيقي في العملية التعليمية إذ تعطي نتائج مختلفة من اختبار إلى آخر.

الخرافة الثانية: ذاكرة الإنسان تعمل ككاميرا فيديو

ذاكرة الإنسان تعمل ككاميرا فيديو
صورة لـ Randy Mora

تشبيه ذاكرة الإنسان بالكاميرا فكرة خاطئة فهي تصور الإنسان على أنه يمتلك نفس درجة دقة واستمرارية جهاز التصوير. بيد أن ذاكرتنا تُعطي صورة لا تطابق ما حصلَ فعلاً، وهي تتغير مع مرور الوقت.

بالرغم من ذلك فقد بين استطلاع رأي أُجري قبل بضعة سنوات على ما يقارب الألفي شخص أن 63% منهم يُؤمنون بهذه الفكرة.

سوء الفهم هذا يقف وراء مفاهيم خاطئة تتعلق بالذاكرة مثل مصداقية شاهد العيان. إذ يعتقد الكثير من القضاة ورجال الشرطة أنه كلما كان الشاهد واثقاً بذاكرته أكثر، كلما زادت دقة إدلائه، مع أن الدراسات تؤكد أن العلاقة بين الثقة والدقة غير موجودة أو ضعيفة للغاية.

الخرافة الثالثة: مرتكبي الجرائم يُعانون من أمراض عقلية

أمراض عقلية

عندما يرتكب أشخاص يعانون من اختلال عقلي جرائم فظيعة يتناول الإعلام أحداثها على نحو غير عادي، وتشير الأبحاث بأن معظم الناس يعتقدون بأن الأشخاص المخبولين عنيفون بالوراثة.

يشرح ”سكوت ليلينفيلد“ في كتاب ”أشهر 50 خرافة في علم النفس“ أن 90% على الأقل ممن يعانون من مشاكل عقلية ليسوا عنيفين، والأغلبية العظمى من مرتكبي الجرائم وحالات العنف لا يعانون من أي مرض أو اضطراب عقلي.

هناك بعض المرضى ذوو الحالات الخاصة (مثل الهلوسة المرتبطة بالانصياع للأوامر) لهم قابلية أعلى للتصرف بعنف، مع ذلك تبقى حالات العنف المسجلة لدى هذه الفئة نادرة، وقد خلصت دراسة تحليلية أنجزت في 2011 إلى أن هناك حوالي 35,000 شخص يُعانون من انفصام الشخصية يُمثلون خطراً على الآخرين ما يستدعي مراقبتهم باستمرار لتفادي قيامهم بجرم ما.

الخرافة الرابعة: الحشود تجعل الناس أكثر غباء و خشونة

الحشود

هناك اعتقاد عام بأننا في حالات الطوارئ إذا كنا متواجدين وسط حشد من الناس أصيبوا بالهلع ينال منا الذعر ونتصرف بعشوائية ولا نفكر إلا في مصلحتنا الخاصة.

لكن علماء النفس قد فندوا هذا الرأي، وأثبتت أبحاثهم أن حالات الذعر الجماعي نادرة، وأن الناس غالباً ما يتوقفون لمساعدة بعضهم البعض، وكلما زاد الشعور بالانتماء المشترك زاد التعاون بينهم.

قام عالم النفس ”John Drury“ بعمل دراسة ارتكز في جزء منها على مقابلاته أجراها مع الناس الذين واجهوا حالات ذعر جماعية، مثل واقعة برايتون بيتش Brighton Beach في 2002.

ويعزو دروي Druy وزملاؤه هذا التصرف إلى طريقة تعامل السلطات مع هذه الحالات الطارئة:

يُمكن الوثوق بالحشود الكبيرة في حالات الطوارئ بأن تتصرف بطرق أكثر تحضراً، على عكس توقعات بعض مخططات حالات الطوارئ.

الخرافة الخامسة: سبب التوحد وجود ”كسر“ في الخلية العصبية المرآتية

التوحد

قال عالم الأعصاب الشهير ”Vilayanur S. Ramachandran“ في 2011: ”السبب الرئيسي للتوحد هو وجود خلل في الخلايا العصبية المرآتية“. الخلية المرآتية هي خلايا تستجيب لتصرف معين أو لرؤية شخص يقوم بهذا التصرف.

فرضية ”المرآة المكسورة“ المسببة لمرض التوحد جذابة وقد جلبت إليها اهتمام الكثير، وأعاد صياغتها كتاب علميين مشهورين على غرار صحفية الدايلي ميل Rita Carer حيث ذكرت في احدى مقالاتها: ”المصابون بمرض التوحد يعانون من نقص في المشاعر و لديهم خلية مرآتية أقل فعالية ونشاطاً“.

إلا أن تقريرا نشر لـ25 دراسة أجريت في 2013 أكد أن لا دليل يؤكد صحة هذا الافتراض، وفي الشهر الماضي توصلت دراسة أخرى إلى النتائج ذاتها.

الخرافة السادسة: الرؤية تعتمد على الإشارات المنبعثة من العين

عين جوجل

تعتمد الرؤية على الأشعة الضوئية التي تصل إلى الشبكية خلف العين، لكن الاعتقاد القديم والخاطئ يقوم على مبدأ معاكس وهو خروج أشعة من داخل العين إلى العالم الخارجي، وما يزال هذا الاعتقاد منتشراً بشكل كبير بين الناس وفقا لبحوث أجريت في تسعينيات القرن الماضي وبدايات الألفية الجديدة.

ومثال ذلك دراسة أقيمت على جامعة أظهرت بأن ثلث طلابها يعتقدون بأن هناك شيئا ما”يخرج“ من العين عندما نرى الأشياء، ويبقى سبب رسوخ هذه الفكرة غير معروف، لكن البعض يُعزو ذلك الى الشعور المنتشر بين الناس بأن أحداً يراقبهم مع أنهم لا يستطيعون تحديد فيما إذا كان الشخص ينظر إليهم من أمامهم أو من خلفهم.

الخرافة السابعة: تجربة سجن ”ستانفورد“ تُظهر بأن المواقف الخاطئة قد تجعل الإنسان سيئا

سجن ستانفورد

أحدى الدراسات ذات السمعات الأسوأ على الإطلاق هي تلك المتعلقة باختبار سجن ”ستانفورد“ التي أجريَت عام 1971، أنجزها طلاب قاموا بدور الحراس والسجناء. لكن ما فتأت أن ألغيت هذه التجربة بعد أن أصبحت تصرفات بعض الحراس مسيئة.

فيليب زيمباردو Philip Zimbardo الذي أشرف على هذه التجربة قال أنها أظهرت وجود أحداث ظرفية معينة تُجبر أي شخص على أن ”يتحول“ إلى إنسان سيئ.

عمل فيليب أيضاً كشاهد خبير في المحكمة للدفاع عن أحد حراس سجن أبو غريب. ولكن في الحقيقة، اختبار سجن ”ستانفورد“ يُعتبر خاطئاً ويُساء تفسيره على نحو واسع.

بيت دراسات أخرى أجريت لاحقا كتجربة السجن للبيبسي BBC Prison Experiment، أظهرت بأن نفس هذه المواقف يُمكن أن تؤدي إلى زيادة التعاون بدلاً من العنف وذلك وفقا للطريقة التي يتعرف بها الناس على بعضهم البعض.

للأسف ما زالت العديد من الكتب الحديثة تستمر في نشر التفيسرات الخاطئة لتجربة سجن ”ستانفورد“.

الخرافة الثامنة: أغلب حالات العنف المنزلي يرتكبها الرجال

العنف المنزلي

تدل دراسة بريطانية أجريت في 2014 أن أكثر من 65% من الناس يؤمنون بأنه من المحتمل أو من الثابت أن الأغلبية العظمى من حالات العنف المنزلي يرتكبها الرجال. يسهل تصديق ذلك، فالرجال بشكل عام يملكون بنية جسدية أقوى من النساء فهم بذلك أخطر على النساء. لكن الإحصائيات الرسمية أظهرت بأن العنف ضد الرجل من قبل المرأة ينتشر بشكل كبير أيضاً.

اذ أشار استطلاع حديث تناول حالات العنف المنزلي في الولايات المتحدة أن واحدا من كل أربع رجال تعرضوا للعنف الجسدي أو الإغتصاب أو الملاحقة من قبل شريكاتهم (مقابل امرأة واحدة من كل 3 نساء). وأن 83% من حالات العنف المرتكب ضد الرجال سببه النساء.

البحث لا يهدف إلى التقليل من حجم أو جديّة مشكلة العنف ضد النساء بل زيادة الوعي بقضية العنف ضد الرجال على حد سواء.

الخرافة التاسعة: البرمجة اللغوية العصبية تعتبرُ علما

البرمجة اللغوية العصبية

صحيح أن عددا قليلا من علماء النفس قد تلقوا تدريبا في البرمجة اللغوية العصبية، ويؤيدون استخدامها، إلا أنه من الخطأ اعتبارها مبنية على نتائج علمية أجريت سواء في علم النفس أو علم الأعصاب.

فهذا النظام في الواقع والذي غالبا ما يتم تسويقه على أنه وسيلة لتحقيق النجاح الذاتي قد تم تطويره من قبل اثنين من مدربي المساعدة الذاتية[*] في السبعينيات من القرن الماضي، حيث قاما ببساطة بوضع مجموعة من المبادئ النفسية بعد أن شاهدا ما يفعله الأطباء النفسيون مع مرضاهم.

[*] معلموا المساعدة الذاتية هم أشخاص تعرضوا لمواقف دراماتيكية غيرت حياتهم بطريقة إيجابية، ويستخدمون ما تعلموه واستفادوا منه في مساعدة الآخرين.

البرمجة اللغوية العصبية مليئة بالاعتقادات الخاطئة التي قد تبدو في ظاهرها حقائق علميةً، ومثالها أن أي شخص يمتلك طريقة تمثيلية مُفضلة للتفكير في هذا العالم، وأن الوسيلة الأفضل للتأثير على الأشخاص هي باستخدام نظامهم المفضل.

أثبتت دراسة معمقة عن البرمجة اللغوية العصبية أن معظم ادعاءات المدربين مجرد هراء لا أساس له من الصحة.

الخرافة العاشرة: الأمراض النفسية ناتجة عن اختلال التوازن الكيميائي في المخ

ادوية امراض نفسية

أظهر استطلاع رأي أجري في الولايات المتحدة الأمريكية قبل بضع سنوات بأن أكثر من 80% من الناس يعتقدون أن الأمراض النفسية ناتجة عن اختلال التوازن الكيميائي في المخ.

ولكن إذا أتيت أي طبيب نفسي أو طبيب للأمراض العصبية وسألته فسيكون جوابه بأنه لا أحد يعلم حقاً كيف ينبغي أن يكون التوازن الكيميائي الصحيح في المخ.

أحد الأدّلة التي تقوم عليها فكرة إختلال التوازن هذه يعود إلى كون الأدوية المضادة للاكتئاب تُحدث تغييرات كيميائية في الدماغ، ولكن هذا لا يعني إطلاقاً أن الاختلال الكيميائي هو السبب أساسا. وأكثر من يؤيّد هذه الفكرة هم الذين يعانون من أمراض عقلية وبعض من النشطاء في الصحة العقلية، وأحد أسباب هذا التأييد هو أن هذه الفكرة تُعطي تفسيرا طبياً لبعض الحالات كالاكتئاب والقلق.

ومع هذا، فقد أظهرت الأبحاث بأن التقريرات البيولوجية للمرض العقلي—بما في ذلك نظرية اختلال التوازن—بإمكانها الزيادة في ظهور العلامات السلبية، على سبيل المثال، بتشجيع فكرة أن الامراض العقلية دائمة.

مقالات إعلانية