in

بتول.. أم العيون العسلية

عيون عسلية

جرت العادة أن أذهب كل يوم صباحاً إلى الجامعة بالباص، وأنتظر بفارغ الصبر متى أصل حتى أرتاح من تزاحم وضجة الراكبين، كان ذلك في الماضي.

أجلسُ في آخر الباص قرب النافذة، مستمتعةً بالمراقبة، بينما أستمع إلى فيروز عبر سماعات في أذني. كنت آخر من ينزل من الباص ممّا يمنحني الوقت الكافي لمراقبة الجميع، حيث أرى أغلبهم يومياً فبتّ أعرفهم جيداً.

في نهارٍ ممطر، كنتُ كالعادة أستمع إلى فيروز ورأسي مائلٌ نحو النافذة، إلى أن رأيت فتاةً صغيرة تختبئ تحت سقف محلّ الحلويات لتحتمي من المطر وتلوّح بيديها الصغيرتين للباص كي يقف لها.

صعدَت وهي مبللة بالمياه وترتجف. المقاعد كلها مستخدمة إلّا واحد بجانبي، الجميع كان ينظر إليها بتعالٍ وقرف، اقتربَت منّي وسألتني مع ابتسامة خجولة ”بتسمحيلي أقعد حدّك؟“ فقلتُ لها ”أكيد“. وجدتُ بحوزتها كيساً صغيراً يحتوي على كعكة وألف ليرة.. سألتها عن اسمها فقالت ”بتول“؛ بتول ذات العينين العسليّتين، كانت جميلة جداً!

بدأتُ أسألها عن أهلها، فعلمتُ أنها تعيش مع عمّها، لأنّ والديها توفيّا في سوريا، وأنّ عمّها يجبرها على العمل في بيع المحارم والعلكة على الطريق بين السيارات، يأخذ منها كل المال، ولا يطعمها غير الكعك واللبنة، ثمّ أخبرتني بنبرة حزينة ”هوي بياكل أكل طيب وأنا بتفرّج عليه من بعيد“..

بدأَت تروي لي كم تحب الرجوع إلى المدرسة كي تدخل لاحقاً الى الجامعة مثلي، وكم تحب أن تعمل حين تكبُر لتشتري كل الأطعمة المفضلة لديها التي حُرمت منها.. توقفَت بتول عن الحديث لتطلب من سائق الباص أن ينزلها، ودّعتني بتلك الضحكة البريئة قبل أن تنزل وقالت لي ”شكراً لأنو ما قرفتي منّي“، نزَلت ولم أرى ”بتول إم العيون العسليّة“ مرة أخرى.

مقالات إعلانية